فصل: معظم مقصود السّورة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.سورة التغابن:

.فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة:

.فصل في فضل السورة الكريمة:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
فضل السّورة:
فيه حديث أُبي الواهي: «من قرأ التغابُن رفع عنه موتُ الفُجاءة».
وحديث علي: «يا علي من قرأها فكأنّما تصدّق بوزن جبل أبي قُبيس ذهبا في سبيل الله، وكأنما أدرك ألف ليلة من ليالي القدْر، وله بكلّ آية قرأها مثلُ ثوابِ منْ يصومُ ثلاثة أيّام كلّ شهر». اهـ.

.فصل في مقصود السورة الكريمة:

.قال البقاعي:

سورة التغابن:
مقصودها الإبلاغ في التحذير مما حذرت منه المنافقون بإقامة الدليل القاطع على أنه لابد من العرض على الملك الدنيونية على النقير والقطمير يوم القيامة يوم الجمع الأعظم، واسمها التغابن واضح الدلالة على ذلك، وهو أدل ما فيها عليه فلذلك سميت به. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في: {يسبح} التغابن:

السّورة مكِّيّة، إِلاّ آخرها: {إِنّ مِنْ أزْواجِكُمْ وأوْلادِكُمْ} إِلى آخر السّورة.
وآياتها ثمان عشرة.
وكلماتها مائتان وإِحدى وأربعون.
وحروفها ألف وسبعون.
فواصل آياتها (من درّ) وعلى الدّال آية واحدة: حميد.
وسمّيت سورة التّغابُن، لقوله فيها: {ذلِك يوْمُ التّغابُنِ}.

.معظم مقصود السّورة:

بيان تسبيح المخلوقات، والحكمة في تخليق الخلْق، والشكاية من القرون الماضية، وإِنكار الكفّار البعث والقيامة، وبيان الثواب والعقاب، والإِخبار عن عداوة الأهل والأولاد، والأمر بالتّقوى حسب الاستطاعة، وتضعيف ثواب المتّقين، والخبر عن اطِّلاع الحقّ على علم الغيب في قوله: {عالِمُ الغيْبِ} الآية.
السّورة خالية عن المنسوخ، وفيها الناسخ: {فاتّقُواْ الله ما اسْتطعْتُمْ}.

.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

.قال ابن جماعة:

سورة التغابن:
440- مسألة:
قوله تعالى: {يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الْأرْضِ} ثم قال تعالى: {يعْلمُ ما فِي السّماواتِ والْأرْضِ} ثم قال تعالى: {ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون} بإثبات (ما)؟.
جوابه:
لما كان تسبيح أهل السموات يختلف مع تسبيح أهل الأرض في الكمية والكيفية والإخلاص والمواظبة، ناسب ذلك التفصيل بـ: (ما).
ولما كان (العلم) معنى واحدا لا يختلف معناه باختلاف المعلومات ناسبه ذلك حذف (ما) لاتحاده في نفسه. ولما اختلف معنى (الإسرار والإعلان) ناسب ذلك إتيان (ما) لما بينهما من البيان، والفرق بينه تعالى وبين غيره في علم السر والعلن دون السر.
441- مسألة:
قوله تعالى: {يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ ويُدْخِلْهُ جنّاتٍ}
وفي الطلاق: {ومنْ يُؤْمِنْ بِالله ويعْملْ صالِحا يُدْخِلْهُ} أسقط {يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ}؟.
جوابه:
لما تقدم قوله تعالى: {ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون}
دخل فيه أعمال الطاعات، والسيئات.
وقال تعالى: {زعم الّذِين كفرُوا أنْ لنْ يُبْعثُوا} وهو كفر وسيئة ناسب ذلك: {ومنْ يُؤْمِنْ} أي بعد (ما) كفر عنه سيئاته في سره أو علنه، من أقواله وأفعاله وآية الطلاق لم يتقدمها ذكر سيئات ولا ما يفهم منه، بل قال: {فاتّقُوا الله يا أُولِي الْألْبابِ الّذِين آمنُوا} فناسب ذلك ذكر الصالحات وترك ذكر السيئات. وأيضا تقدم فيها تكفير السيئات في قوله تعالى: {ومنْ يتّقِ الله يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ} فكفى عن إعادته.
442- مسألة:
قوله تعالى: {إِنّما أمْوالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنةٌ} أي محنة تمتحنون بها.
وقال تعالى: {وابْتغُوا مِنْ فضْلِ الله}
وقال تعالى: {يبْتغُون مِنْ فضْلِ الله}
وقال تعالى: {فأمّا منْ أعْطى واتّقى} ونحو ذلك من الآيات الدالة على ثناء بعض أرباب الأموال.
جوابه:
أنه محمول على الأغلب في الأموال والأولاد، فقد تأتي (إنما) ولا يقصد بها الحصر المطلق كقوله تعالى: {إِنّما أنْت نذِيرٌ} وهو بشير أيضا، ورسول، وشفيع. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

المتشابهات:
قوله: {يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الأرْضِ} وبعده: {يعْلمُ ما فِي السّماواتِ والأرْضِ ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون} إِنّما كرّر (ما) في أوّل السّورة لاختلاف تسبحي أهل الأرض وأهل السّماءِ في الكثرة والقِلّة، والبعد والقرب من المعصية والطّماعة.
وكذلك اختلاف ما يُسرّون وما يعلنون؛ فإِنهما ضدّان.
ولم يكرّر مع (يعلم) لأنّ الكلّ بالإِضافة إِلى علم الله سبحانه جنس واحد؛ لا يخفى عليه شيء.
قوله: {ومن يُؤْمِن بِالله ويعْملْ صالِحا يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ ويُدْخِلْهُ جنّاتٍ تجْرِي مِن تحْتِها الأنْهارُ خالِدِين فِيهآ أبدا} ومثله في الطّلاق سواء؛ لكنّه زاد هنا {يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ}؛ لأنّ هذه السّورة بعد قوله: {أبشرٌ يهْدُوننا} الآيات، فأخبر عن الكفّار بسيّئات تحتاج إِلى تكفير إذا آمنوا بالله، ولم يتقدّم الخبر عن الكفار بسيّئِات في الطلاق فلم يحتج إِلى ذكرها.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال ابن عاشور:

سورة التغابن:
سميت هذه السورة (سورة التغابن)، ولا تعرف بغير هذا الاسم ولم ترد تسميتها بذلك في خبر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما ذكره ابن عطية عن الثعلبي عن ابن عمر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا وفي تشابيك مكتوب خمسُ آيات فاتحةُ سورة التغابن». والظاهر أن منتهى هذه الآيات قوله تعالى: {والله عليم بذات الصدور} (التغابن: 4) فتأمله.
ورواه القرطبي عن ابن عمر ولم ينسبه إلى التعليق فلعله أخذه من تفسير ابن عطية.
ووجه التسمية وقوع لفظ {التغابن} (التغابن: 9) فيها ولم يقع في غيرها من القرآن.
وهي مدنية في قول الجمهور وعن الضحاك هي مكية.
وروى الترمذي عن عكرمة عن ابن عباس: أن تلك الآيات نزلت في رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعُوهم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.
وقال مجاهد: نزلت في شأن عوف الأشجعي كما سيأتي.
وهي معدودة السابعة والمائة في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة الجُمعة وقبل سورة الصّف بناء على أنها مدنية.
وعدد آيها ثماني عشرة. اهـ.

.قال سيد قطب:

تقديم لسورة التغابن:
هذه السورة أشبه شيء بالسور المكية في موضوعها وفي سياقها وفي ظلالها وإيحاءاتها، وبخاصة المقاطع الأولى منها. فلا يكاد الجو المدني يتبين إلا في فقراتها الأخيرة.
والفقرات الأولى إلى ابتداء النداء: {يا أيها الذين آمنوا..} تستهدف بناء أسس العقيدة، وإنشاء التصور الإسلامي في القلوب بأسلوب السور المكية التي تواجه الكفار المشركين ابتداء، وتخاطبهم بهذا التصور خطاب المبتدئ في مواجهته. ثم هي تستخدم المؤثرات الكونية والنفسية كما تستعرض مصائر الغابرين من المكذبين قبلهم؛ وتعرض عليهم مشاهد القيامة لإثبات البعث، وتوكيده توكيدا شديدا، يدل على أن المخاطبين به من المنكرين الجاحدين.
فأما الفقرات الأخيرة فهي تخاطب الذين آمنوا بما يشبه خطابهم في السور المدنية، لحثهم على الإنفاق، وتحذرهم فتنة الأموال والأولاد. وهي الدعوة التي تكررت نظائرها في العهد المدني بسبب مقتضيات الحياة الإسلامية الناشئة فيها. كما أن فيها ما قد يكون تعزية عن مصاب أو تكاليف وقعت على عاتق المؤمنين، ورد الأمر فيها إلى قدر الله، وتثبيت هذا التصور.. وهو ما يتكرر في السور المدنية وبخاصة بعد الأمر بالجهاد وما ينشأ عنه من تضحيات.
ولقد وردت روايات أن السورة مكية، ووردت روايات أخرى أنها مدنية مع ترجيحها. وكدت أميل إلى اعتبارها مكية تأثرا بأسلوب الفقرات الأولى فيها وجوها. ولكني أبقيت اعتبارها مدنية- مع الرأي الراجح فيها- لأنه ليس ما يمنع أن تكون الفقرات الأولى فيها خطابا للكفار بعد الهجرة سواء كانوا كفار مكة أم الكفار القريبين من المدينة. كما أنه ليس ما يمنع أن يستهدف القرآن المدني في بعض الأحيان جلاء أسس العقيدة، وإيضاح التصور الإسلامي، بهذا الأسلوب الغالب على أسلوب القرآن المكي.. والله أعلم..
والمقطع الأول في السورة يستهدف بناء التصور الإيماني الكوني، وعرض حقيقة الصلة بين الخالق- سبحانه- وهذا الكون الذي خلقه. وتقرير حقيقة بعض صفات الله وأسمائه الحسنى وأثرها في الكون وفي الحياة الإنسانية: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور}..
وهذا التصور الكوني الإيماني هو أدق وأوسع تصور عرفه المؤمنون في تاريخ العقيدة. ولقد جاءت الرسالات الإلهية كلها بوحدانية الله، وإنشائه لهذا الوجود ولكل مخلوق، ورعايته لكل كائن في الوجود.. لا نشك في هذا لأن القرآن يحكيه عن الرسل وعن الرسالات كلها. ولا عبرة بما نجده في الكتب المفتراة والمحرفة؛ أو فيما يكتبه عن الديانات المقارنة أناس لا يؤمنون بالقرآن كله أو بعضه. إنما جاء الانحراف عن العقيدة الإيمانية من أتباعها، فبدا أنها لم تأت بالتوحيد الخالص، أو لم تأت بهيمنة الله واتصاله بكل كائن. فهذا من التحريف الطارئ لا من أصل الديانة. فدين الله واحد منذ أولى الرسالات إلى خاتمة الرسالات. ويستحيل أن ينزل الله دينا يخالف هذه القواعد، كما يزعم الزاعمون بناء على ما يجدونه في كتب مفتراة أو محرفة باسم الدين!
ولكن تقرير هذه الحقيقة لا ينافي أن التصور الإسلامي عن الذات الإلهية، وصفاتها العلوية، وآثار هذه الصفات في الكون وفي الحياة الإنسانية.. أن هذا التصور أوسع وأدق وأكمل من كل تصور سابق في الديانات الإلهية.. وهذا متفق مع طبيعة الرسالة ومهمتها الأخيرة. ومع الرشد البشري الذي جاءت هذه الرسالة لتخاطبه وتوجهه؛ وتنشئ فيه هذا التصور الشامل الكامل بكل مقتضياته وفروعه وآثاره.
ومن شأن هذا التصور أن يدرك القلب البشري- بمقدار ما يطيق- حقيقة الألوهية وعظمتها، ويشعر بالقدرة الإلهية ويراها في آثارها المشهودة في الكون، ويحسها في ذوات الأنفس بآثارها المشهودة والمدركة؛ ويعيش في مجال هذه القدرة وبين آثارها التي لا تغيب عن الحس والعقل والإلهام. ويراها محيطة بكل شيء، مهيمنة على كل شيء، مدبرة لكل شيء، حافظة لكل شيء، لا يند عنها شيء. سواء في ذلك الكبير والصغير والجليل والحقير.
ومن شأنه كذلك أن يعيش القلب البشري في حساسية مرهفة، وتوفز دائم، وخشية وارتقاب، وطمع ورجاء؛ وأن يمضي في الحياة معلقا في كل حركة وكل خالجة بالله، شاعرا بقدرته وهيمنته، شاعرا بعلمه ورقابته، شاعرا بقهره وجبروته، شاعرا برحمته وفضله، شاعرا بقربه منه في كل حال.
وأخيرا فإن من شأنه أن يحس بالوجود كله متجها إلى خالقه فيتجه معه، مسبحا بحمد ربه فيشاركه تسبيحه، مدبرا بأمره وحكمته فيخضع لشريعته وقانونه.. ومن ثم فهو تصور إيماني كوني بهذا المعنى، وبمعان أخرى كثيرة تتجلى في المواضع المتعددة في القرآن التي تضمنت عرض جوانب من هذا التصور الإيماني الشامل الكامل المحيط الدقيق. وأقرب مثل منها ما ورد في ختام سورة الحشر، في هذا الجزء. اهـ.